Wednesday, April 13, 2005

أمريكا... من مستنقعات هانوي ... إلى مجاهل العراق

تحتفل فيتنام في نهاية نيسان( إبريل) الحالي بمرور ثلاثين عاماً على نهاية حربها مع الأمريكيين, حرب دامت
ثمان سنوات خرجت في نهايتها الآلة العسكرية الأمريكية منهكة مما واجهته على أيدي زارعي حقول الأرز.
في حقبة السبعينات أتت هذه الحرب في سياق حرب باردة بين أمريكا والنظام الشيوعي ممثلا بالمعسكر الاشتراكي
هدفها النهائي القضاء على الشيوعية وخلق معادلة القطب الواحد وهو ما تحقق للإدارة الأمريكية بعد أحداث الساحة الحمراء في موسكو.

ولم تكن الهزيمة الأمريكية في فيتنام عسكرية فقط بل ما كشف عنه النقاب بعد عدة سنوات من نهايتها ممثلا بتشوهات نفسية بين جنودها أثار العديد من الأسئلة حول قدرة النفس البشرية على خوض حرب دون أن يكون لهذه الحرب قضية عادلة يتم الدفاع عنها ولا يخفى ما نتج عن ذلك من مشاكل اجتماعية وجنائية ما زالت الحياة الأمريكية تعاني منها .
واليوم لا يختلف الوضع في العراق بالنسبة للولايات المتحدة عما واجهته في هانوي , التقارير الأخيرة أشارت إلى العدد الكبير بل الهائل من المشاكل النفسية عداك عن الجسدية التي يعاني منها الجنود الأمريكيون العائدون لبلادهم والذين منع البنتاغون وسائل الإعلام من نقل صورهم أو الحديث معهم حتى لا يصاب الشعب الأمريكي أو باقي فرق الجيش بالإحباط,
العديد منهم إذا لم يكن من الذين أتوا في نعوش أو بإصابات بالغة تراه يقفز وهو وسط عائلته عند سماعه صوت ضجيج مفاجئ ليختبئ في إحدى الزوايا والكثير أصيبوا بأعراض شبيهة بمرض باركن سون ولكنها أقوى وآخرون ما زالوا يعانون من الكوابيس بعد أشهر من عودتهم وجميعهم اتفقوا على أنهم ما زالوا يفتحون عيونهم ليلا ليتأكدوا وجودهم حقا خارج ساحات المعارك.

هذه الآثار لم تنتج عن الحرب النظامية فالحرب النظامية انتهت في ستة عشر يوما من نقطة الدخول الجنوبية حتى سقوط بغداد في التاسع من نيسان (إبريل) ولكنها نتجتا عما اعترفت به هذه الإدارة على أنه حرب عصابات.
ما كابدته قوات العم سام من خسائر حتى الآن في ساحات بلاد الرافدين فاق ما تكبدته في ثمانية أعوام من حرب فيتنام ,
أي أن المقاومون العراقيون تجاوزوا أقرانهم الفيتناميون ليصلوا إلى النتائج عينها.
وهنا لا بد من التأكيد حتى لا تختلط الأمور على مصطلح (مقاومون في العراق) فهؤلاء هم الذين يستهدفون جنود الاحتلال فقط , وأن كل من يمس بأذى مواطنا عراقيا شريفا أو تجمعا آمنا عرسا كان أو مسجدا أو حوزة كما حدث في العديد من المجازر التي ارتكبت باسم المقاومة هو في منحى آخر غير حديثنا.
والمنطلق الذي نعود إليه كان وما زال أن موضوع القضية العادلة في أي حرب هو مفصل أساس في عملية الدعم النفسي لأي جندي أو مقاتل فكيف إذا كان القتال في أرض غير أرض الوطن والهدف ليس محدد المعالم ونتيجة كذبة سياسية عالمية كبيرة اسمها (الديمقراطية حسب مفهوم المثلث الأمني الأمريكي) فما الذي يحارب من أجله هذا المدجج بالسلاح.
لقد قيل لهذا الجندي أن هناك ديكتاتورا يحكم بلدا ناميا ونحن نريد أن نساعد أهل ذلك البلد على تذوق ديمقراطيتنا ومفهومنا للحرية.

نعم .... إن أمريكا قادرة على التغيير ولكنها لم تكن قادرة يوما على التحكم الكامل بمجريات الأمور.. أي أنها تستطيع مثلا أن تخلق نزاعا ما هنا أو صلحا سريعا هناك أو أن تدعم فريقا دون آخر ولكن النتائج لم تكن يوما دائما كما توقعتها.
إنها اليوم وبكل بساطة تتجه إلى المجهول داخل العراق وخارجه .. ما بقي من الحلفاء هم بالتأكيد في طريقهم إلى الانسحاب الأقرب فالأقرب حتى بريطانيا تضع نصب عينيها الانتخابات القريبة والتي لن تكون في صالح بلير حتما , وقد نشهد عندها فصلا شبيها لما حدث في اسبانيا .
إذا حاولنا قراءة المشهد العراقي نجد: مقاومة حقيقية - إرهابيون يشك في دوافعهم والجهات التي تقف ورائهم – احتلال - وحكومة جديدة عليها أن تفهم هذا المزيج.

رسمياً.. انتخب رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء من قبل الجمعية الوطنية التي تمثل الخارطة السياسية الحالية في العراق, ولا غبار على وطنية الجميع دون استثناء لكن ... ألم يحن الوقت للتفكير وعلى المستوى الرسمي بوجود القوات الأمريكية طالما أن ذلك في حكم المنتهي شعبياً .. ألم يحن الوقت لوضع جدول زمني للانسحاب كما زعم رامسفيلد أن ذلك سيتم بمجرد طلب رسمي من الحكومة العراقية .
لا أريد التطرق هنا إلى الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي إلى بغداد في الثاني عشر من نيسان الحالي والتي اعتبرت تفقدية للقوات ليتبعها بزيارة أخرى مفاجئة وتفقدية لكابول لكن ما تم البحث فيه مع الحكومة الأفغانية كان قواعد أمريكية دائمة في أفغانستان ولنرسم تحت هذه الكلمات خطين حمراوين وإشارة استفهام ...
قد لا تلعب أمريكا في العراق نفس النقلات التي لعبتها في أفغانستان وقد يكون هذا غير صحيح ومن يفرض ذلك ليس الولايات المتحدة .. بل شعب العراق , وهو الذي سيتحكم بهذا المجهول .

يقفز إلى ذهني الأمر التالي:
هل يدرك هذا الشرطي العالمي والذي جعل من نفسه كما أشرنا سابقاً قطبا واحدا على وجه الخليقة بحكم الظروف السياسية والعسكرية التي مر بها عالمنا أن ساحات العراق ربما تكون الفيصل في تغيير الخارطة الجيوسياسية لهذا العالم
ليس كما يراها هو... بل كما تفرضها تطورات الأحداث.
يبقى شيء فيما يخص الحربين الأمريكيتين في فيتنام والعراق وهو أن: أمريكا في فيتنام حاربت الشماليين لتحمي نظام حكم أرادت ترسيخه جنوبها ولكنها خرجت بعد أن قاد (هوشي منه) شعبا موحدا ليجني الاستقلال , أي أن حرب فيتنام وحدت الفيتناميين بين شمال وجنوب .
فهل ستخرج أمريكا من العراق؟ .... كيف سيكون خروجها؟ .... وبأي حال سيكون البلد والمنطقة؟
هذا هو المجهول ...
المعتز بالله حسن - دمشق